أخبار المغرب

اخبار الرياضة

علوم و تكنولوجيا

فاطمة الجامعي الحبابي: أهل فاس وقفوا إلى جانب ثورة الخطابي



حاورها نورالدين لشهب
الاثنين 04 فبراير 2013 - 23:00

قالت فاطمة الجامعي، زوجة الفيلسوف الراحل محمد عيزي الحبابي، إن أهل فاس لم يكونوا يوما ضد أهل الريف، وأضافت الأستاذة الباحثة في تحليل الخطاب السياسي، بأن محمد بن عبد الكريم الخطابي كان يحب فاس وأعجب بها أيما إعجاب لما كان طالبا بجامع القرويين وكان طموحه نقل ثقافة أهل فاس إلى الريف من تعليم وطبخ وحضارة عريقة.

وكشفت أرملة فيلسوف الشخصانية الإسلامية في حوار مع هسبريس، بأن أهل فاس كانوا يوزعون المناشير ويخفونها في قفة الخضر في عز حرب التحرير التي كان يقودها الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي ضد الاستعمار الفرنسي.

الحوار الذي أجريناه مع أحد الوجوه التي تنحدر من أهل فاس كان بمناسبة نصف قرن على رحيل الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي وافته المنية يوم 6 فبراير 1963 بالقاهرة.

نرحب بك أستاذة فاطمة، أنت فاسية، أي من أصول فاسية، وتهتمين بمنطقة الريف وبتاريخ الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي على وجه التحديد، وألفت ثلاثة كتب في الموضوع، ومن الشائع أن أهل فاس في تناقض مع أهل الريف كما نتابع في تعليقات القراء، أنتم فاسة همشتم الريف، أنتم من ساهم في نكبة أهل الريف، هكذا يقولون، ما ردك على مثل هذا الكلام؟

تضحك..كيف أبدأ؟

فين ما ضربتِ القرعَ يسيل دمُو.. كما يُقال.

تضحك...سؤالك في محله تماما، وهو أن الشائع أن أهل فاس كان سبب المحنة التي لحقت بأهل الريف خصوصا أحداث الريف 1958-1959، لكن الدارس للتاريخ بنزاهة وبرؤية واضحة يتبين أن أهل فاس كانوا يؤيدون ويناصرون حرب التحرير بالريف، ولي في ذلك الكثير من الأدلة، وكان السبب الذي جعلني أتعاطف وأشتغل على هذا الموضوع، بالرغم من كوني لست مؤرخة وأعترف بهذا، هو أن السؤال طُرح علي بالخارج، خارج الوطن سألوني: لماذا لا تهتمون بتاريخ محمد بن عبد الكريم الخطابي وهو من بلدكم وتهمشونه؟ السؤال طُرح علي في دولة الكويت، وفي الجزائر أيضا، الخطابي في الخارج له قيمة لدى الناس، وبمجرد رجوعي من السفر من الجزائر والتي طُرح علي فيها السؤال نفسه، كنت أتوفر على قصيدة للشاعر الجزائري مفدي زكريا الذي كتب قصيدة شعرية إلى الريفيين عقب انتصار معركة أنوال، وفي الكويت أعطوني قصيدة شعرية لشاعر اسمه عبد اللطيف النصر، وهو شاعر شاب كتب قصيدة ممتازة بعنوان "بطل الريف"...

يعني أن المشارقة يعرفون أكثر من المغاربة عن الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي؟

تماما، المشارقة يعرفون كثيرا عن حرب الريف وعن الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، بل إن الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان هو من كتب نشيد جمهورية الريف، وهو شقيق الشاعرة فدوى طوقان.

إذن القصيدتان اللتان حصلت عليهما من الكويت ومن الجزائر كانتا المنطلق في البحث حول محمد بن عبد الكريم الخطابي، وقلت مع نفسي: هذا ليس معقولا ألا نعرف عن الخطابي شيئا، شعرت بالغبن وأنا أستاذة جامعية، فاتصلت ببعض الباحثين في الموضوع ومنهم المؤرخ زكي مبارك وعلي الإدريسي وأخبرتهما بأني أريد أن افعل شيئا عن الزعيم الخطابي، لأنني احترقت من الداخل شعرت بحريق يلتهمني.. كيف أن الناس في الخارج يعرفون الكثير عن الخطابي ونحن في المغرب نجهل رجال الوطن، وبالفعل نظمت يوما دراسيا في بيتي، أي بيت الحبابي..

في بيت الفيلسوف محمد عزيز الحبابي..

نعم في بيت محمد عزيز الحبابي، وكان ذلك سنة 2005 بمنسابة الذكرى 42 لوفاة الخطابي، كان يوما دراسيا متميزا حقيقة، وقعت صراعات بين الحاضرين، بحيث حضرت كل الأطياف المغربية، منهم الفاسيين والرباطيين وأهل الريف إلى غير ذلك، وتم التطرق إلى العلاقة بين أهل الريف وأهل فاس، وعرفت توترا في النقاش، بحيث أن الهاشمي الطود قال: إن الأحزاب كلها مزبلة، وحكى كيف أن حزب الاستقلال رفض استقباله حين قدم من القاهرة مع رفيقه محمد حمادي العزيز، قصد تنظيم استراتيجية مقاومة بطلب من عبد الكريم الخطابي، زعيم الريف، عفوا زعيم المغرب، وليس زعيما للريف وحسب، أنا اسحب كلمة زعيم الريف... تضحك..شعرت من ذاك اليوم الدراسي أن الناس يجهلون الكثير عن نضالات محمد بن عبد الكريم الخطابي إلا القلة القليلة من الناس ولا سيما المتخصصون منهم، وكان اليوم الدراسي مناسبة للقراءة والتعمق في فكر ومشروع محمد بن عبد الكريم الخطابي، وأنا الآن أهيئ عملا أكير من أطروحة دكتوراه الدولة في الموضوع، تبين لي أن 32 مقالا مكتوبا في أزمنة متباعدة في حرب الريف، وأقدمها مقالات علال الفاسي في الحركات الاستقلالية، وأنا أتأسف أن علال الفاسي لم يذكر الزعيم الخطابي في مقاله، يتحدث عن حرب الريف أما لفظة الخطابي فكان يتلافى الحديث عن الرجل..

وما السبب في رأيك؟

هو يقول بأنه وجد أهل المشرق يعظمون الزعيم الخطابي، ويقتبسون منه، خاصة أهل سوريا وأهل العراق، فربما هذا هو الذي جعله يكتب كلاما منمقا وكلاما جميلا، ويقول علال الفاسي إنه لما تحدثت مع الزعيم عن ثورة الريف احتج، وقال الخطابي بأنه لم يقم بثورة، فالثورة تكون ضد النظام الداخلي وليس ضد الأجنبي المحتل، وهذا ما أشار إليه عبد الكريم غلاب...

يعني أن الخطابي لم يقم بثورة؟

هو يقول أنا قمت بحركة تحرير، وكان الخطابي يغلب كلمة حركة على حرب، يقول حركة التحرير، والحركة في الأدبيات المغربية هي مرادف للتحرير، أي الحرْكة.

نعود إلى أهل فاس

نعم، جوابا على سؤال أهل فاس، وجدت مقالا لإبراهيم الكتاني، وهو شهادة لعلامة كبير ومشهور، وعبد الكريم غلاب وهناك سبع مقالات لأهل فاس، كا هذه المقالات تقول بأنه إبان حرب التحرير الريفية كانت شوارع وأزقة مدينة فاس تعج بالمناشير من تحت أبواب المنازل، وكان الناس يخفونها في قفة الخضر ويلصقونها على الأسوار، وكان المستعمر ينزعها، كما كانت هناك خلايا سرية في المدرسة الناصرية للفقيه الغازي، كانت هذه الخلايا تتجمع وتنظم نفسها. وكان المترجمون يأتون من تونس وفرنسا كي يترجموا المقالات المكتوبة عن حرب الريف، بحيث أن فاس كانت تعيش في معمعة الحرب الريفية، تأييدا وتتبعا ومناصرة، بل من أهل فاس من كان يريد المشاركة في حرب الريف وعمره 60 سنة و70 سنة.

ولهذا قال محمد بن عبد الكريم الخطابي أثناء استسلامه: لقد جئت قبل زماني ولم يفهمني إلا القليل من أهل فاس وأهل الجزائر..ماذا يعني هذا الكلام؟

شخصيا أرى أن إقامة محمد بن عبد الكريم بفاس كان لها تأثيرا على توجهه..

تقصدين إقامته لما كان طالبا في جامع القرويين؟

تماما.. الزعيم الخطابي أُعجب بمدينة فاس أيما إعجاب، بعلمها وطبخها، وهذا يقوله الخطابي، وهذا إعجاب استوعبه داخليا وكان طموحه أن ينقل التجربة إلى الريف، ومن جهة أخرى أن الزعيم الخطابي لما انتقل إلى مليلية كي يستفيد هناك من الحركات ومن الحراك السياسي والثقافي كان يرى أن أهل الريف هناك يعيشون في بحبوحة وأهل الريف يعيشون في شظف العيش، ليس أسرته التي كانت ميسورة، ولكن أهل الريف كانوا يعيشون الفقر المدقع إلا ما نذر من الزراعة والفلاحة، وهو يعترف بهذ ويقره، كان يشعر حينها بالمفارقة.
فتداخل صورة فاس من جهة مع صورة مليلية لدى الخطابي جعل عبد الكريم يعيش لحساب مشروع إصلاحي ونهضوي وتمديني وتحضيري لنهضة أهل الريف، والنهوض بالريف لا يمكن إلا أن يقوم إلا بالتحرر والاستقلال.

الحديث عن الزعيم الخطابي غالبا ما يقتصر في السلاح والحرب والمقاومة ضد المستعمر، هل كان للخطابي مشروع فكري يوازي مشروع التحرير؟

إن المشروع التحرري لدى عبد الكريم الخطابي كان مبنيا على أرضية علمية ومشروع فكري، إن مشروع الخطابي ينهض على جدلية: لا تحرر بدون نهضة وعلم وبنيات اقتصادية..

طيب ما هي معالم هذا المشروع؟

الخطابي بدأ يفكر في التعليم وفي تحسين أوضاع الريف، وكان يستفيد من الإسبان في مليلية شأن والده ليستفيد من الآخر المتقدم، بحيث انه اسس مشروعا مهيكلا توجه بالجمهورية، والزعيم الخطابي لم تكن له نية أو هدف أن يصبح زعيما أو قائدا كما يُشاع..

هناك كتابات كثيرة تشيد بالجمهورية التي أسسها الخطابي، هل هي جمهورية الريف، أم الجمهورية الريفية، وهل يستقيم أن يكون الخطابي أميرا ورئيسا للجمهورية في نفس الآن؟

الجمهورية التي أسسها الخطابي لم تكن بمفهوم الجمهورية العربية حينذاك بل كنظام ليبرر به رسالته إلى الخارج، أي الدول الأجنبية قصد المساندة والدعم ضد المستعمر، كما أن الجمهورية اعتبرها الخطابي غلطة، هو قالها بعظمة لسانه كما يحكي عبد الهادي بوطالب، وكلمة الجمهورية كنظام عند الخطابي لم تكن مدروسة بما فيه الكفاية بالمفهوم السياسي المتعارف عليه، ولكن كانت هيكلة أطلق عليها الجمهورية، أما لفظ الأمير فهذا يتناقض أن يكون الخطابي أميرا ورئيسا للجمهورية في نفس الوقت، الأمير هو أمير الجهاد والمقاومة، الخطابي بويع كأمير للجهاد وليس أميرا لمقاطعة منفصلة عن المغرب..

هناك سؤال يثير انتباه الباحثين والدارسين: كيف يتم إقصاء تاريخ الخطابي من المناهج التعليمية ومن الدراسات المتخصصة في الجامعة؟

هناك عوامل كثيرة، وحسب رأيي الشخصي، فالمغاربة تقاتلوا وتصارعوا على المناصب بعد الاستقلال وكل واحد كان يرى نفسه زعيما ومناضلا، ووقع تكالب على المواقع والمناصب..

لو سمحت أستاذة، في هذه الأثناء كان لا يزال جيش التحرير يقاتل، وكان الخطابي يعتبر الاستقلال ناقصا، أي كان له موقف من الاستقلال توجه بموقفه الرافض لأول دستور ما بعد الاستقلال، أي عام 1962.. فما دخل الخطابي في هذا التصارع على المناصب؟

أنا أتحدث عن الذين كانوا يسيرون البلاد، فالتكالب على المناصب هو ما جعلهم ينسون الجهاد..

ولذك خاطاب الخطابي حينها المغاربة: " أيها المغاربة مصيبتكم في أحزابكم" ..

نعم، هذا صحيح وذلك بسبب المناصب..

كما أن الخطابي خاطب، أيضا، الحكومة آنذاك: "هل أنتم حكومة أم عصابة"؟

نعم لأن الأمر أصبح واضحا، لأن كل واحد كان يتطلع للزعامة، منها الزعامات المتطرفة التي حاولت إلغاء الجميع، ولا أريد أن أذكر الأسماء، فحصل صمت مطبق في الحديث عن الخطابي، لم يتحدثوا عنه ولم يذكروه إلا بعد وفاته يوم 6 فبراير عام 1963، وكان محمد العربي المساري في قسم الإنتاج بالإذاعة الوطنية، وأذاع خبر وفاة الزعيم الخطابي على الساعة الثامنة مساء، اقتصروا على إذاعة الخبر والذي لم تتعد مدته الزمنية ثلاث دقائق على الأكثر، كما أود أن أشير إلى أنه بعد وفاة أخيه امحمد والذي دفن في أجدير بحضور الجهاز الرسمي المتكون من أربعة وزراء، مُنع هؤلاء الوزراء من إعطاء أي تصريح كما يحكي الحاج معنينو، بل إن خطاب معنينو لم يستطع أن يقرأه خلال مراسيم الجنازة ونشره في الصحافة بعدئذ.

أما عبد الهادي التازي كتب عن امحمد الخطابي لما كان سفيرا في ليبيا، والتقت زوجة عبد الهادي التازي بامحمد الخطابي، شقيق الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، وأقنعته بالدخول للمغرب كما يقول، وعاد عبد الهادي التازي ليعترف أن مقاله الذي كتبه في تلك الأثناء حذف منه أشياء بدعوى أن الظروف لم تكن تسمح له بأن يتحدث في الموضوع، وهذا العذر أقبح من الزلة لأن المفكر أو المؤرخ يجب أن تكون له مواقف ومبادئ ليكتب للناس الحقيقة التي سيطلبها الناس فيما بعد.